تاريخ وثقافة اسلامية

أبو جعفر المنصور بانى بغداد

خلافة أبي جعفر عبد الله بن محمد بن على

بسم الله الرحمن الرحيم، رافع أقوام وخافض أخرين، سامع دعاء الصالحين و المظلومين، أقر العدل وجعله صفة واسما، وصلوات الله على أحمد النبى الأمين، حامل الرسالة ومسك ختامها وبعد..هوامش من تاريخنا، أبو جعفر المنصور ثانى الخلفاء العباسيين بعد أخيه السفاح و مؤسس الدولة العباسية الحقيقى.

أبو جعفر المنصور بانى بغداد

من ذي الحجة ١٣٦ هـ حتى ذي الحجة ١٥٨ هـ

تمثال أبى جعفر ببغداد
تمثال أبى جعفر ببغداد

أبو جعفر المنصور من البداية للنهاية، يقول ابن كثير عن أبى جعفر المنصور:

بعد أن مات السَّفَّاحَ وكان أَخُوهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بِالْحِجَازِ، فَأَخَذَ الْبَيْعَةَ لَهُ بِالْعِرَاقِ عَمُّهُ عِيسَى بْنُ عَلِيٍّ، وَبَلَغَهُ خَبَرُ مَوْتِ أَخِيهِ السَّفَّاحِ وَهُوَ رَاجِعٌ بِذَاتِ عِرْقٍ فَعَجَّلَ السَّيْرَ، وَكَانَ مَعَهُ أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ، فَبَايَعَهُ أَبُو مُسْلِمٍ فِي الطَّرِيقِ وَعَزَّاهُ فِي أَخِيهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ السَّفَّاحِ، فَبَكَى أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُسْلِمٍ: أَتَبْكِي وَقَدْ جَاءَتْكَ الْخِلَافَةُ؟! فَأَنَا أَكْفِيكَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَسُرِّيَ عَنِ الْمَنْصُورِ، وَأَمَرَ زِيَادَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ وَالِيًا عَلَيْهَا، وَكَانَ السَّفَّاحُ قَدْ عَزَلَهُ عَنْهَا بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَقَرَّ بَقِيَّةَ النُّوَّابِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ حَتَّى انْسَلَخَتْ هَذِهِ السَّنَةُ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ قَدِمَ عَلَى السَّفَّاحِ الْأَنْبَارَ، فَأَمَّرَهُ عَلَى الصَّائِفَةِ، فَرَكِبَ فِي جُيُوشٍ عَظِيمَةٍ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَلَغَهُ مَوْتُ السَّفَّاحِ، فَكَرَّ رَاجِعًا إِلَى حَرَّانَ وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَزَعَمَ أَنَّ السَّفَّاحَ كَانَ عَهِدَ إِلَيْهِ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الشَّامِ أَنْ يَكُونَ وَلِيَّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ، فَالْتَفَّتْ عَلَيْهِ جُيُوشٌ عَظِيمَةٌ.

لَمَّا رَجَعَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ مِنَ الْحَجِّ دَخَلَ الْكُوفَةَ، فَخَطَبَ بِأَهْلِهَا يَوْمَ الْجُمْعَةِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ مِنْهَا إِلَى الْأَنْبَارِ، وَقَدْ أُخِذَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَسَائِرِ الْبِلَادِ سِوَى الشَّامِ،

وَقَدْ ضَبَطَ عِيسَى بْنُ مُوسَى بُيُوتَ الْأَمْوَالِ وَالْحَوَاصِلَ لِلْمَنْصُورِ حَتَّى قَدِمَ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ الْأَمْرَ، وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ بِدُرُوبِ الرُّومِ يُعْلِمُهُ بِوَفَاةِ السَّفَّاحِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ نَادَى فِي النَّاسِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةً.

فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْأُمَرَاءُ وَالنَّاسُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَفَاةَ السَّفَّاحِ، ثُمَّ قَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا، فَذَكَرَ أَنَّ السَّفَّاحَ كَانَ عَهِدَ إِلَيْهِ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى مَرْوَانَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَشَهِدَ لَهُ بَعْضُ أُمَرَاءِ خُرَاسَانَ بِذَلِكَ، وَنَهَضُوا إِلَيْهِ فَبَايَعُوهُ، وَرَجَعَ إِلَى حَرَّانَ فَتَسَلَّمَهَا مِنْ نَائِبِ الْمَنْصُورِ بَعْدَ مُحَاصَرَةٍ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَقُتِلَ مُقَاتِلٌ.

خلافة أبي جعفر عبد الله بن محمد بن على

من ذي الحجة ١٣٦ هـ حتى ذي الحجة ١٥٨ هـ )
لما تولى المنصور الخلافة وضع نصب عينيه مخاطر ثلاثة لابد أن يقضي عليها:

  1. منافسة عمه عبد الله بن على له في الأمر، وقد كان موكلاً بتدبير جيوش الدولة من أهل خراسان والشام والجزيرة والموصل ليغزو بهم الروم (وكان رغم جلالة قدره عند بني العباس لكنه كان قليل الحزم).
  2. اتساع نفوذ أبي مسلم الخراساني، أحد أعمدة الدولة العباسية فكان أبو جعفر شديد الحنق عليه لا يرضيه أن يكون له في الأمر شريك ذو سطوة وسلطان.
  3. بنو عمومته من آل على بن أبي طالب الذين لا يزال لهم في قلوب الناس مكان، خاصة محمد بن عبد الله بن حسن بن زيد بن الحسن بن على بـــن أبي طالب فخاف أبو جعفر أن يحاول الخروج عليه.

فأما الخطر الأول : إزالة عمه :

( يضرب عمه بأبي مسلم وأيهما زال فقد زال من طريقه).
كان عبد الله بن على ينتظر أن تؤول إليه الخلافة لما كان له من يد طولى في القضاء على ملك بني أمية، فلما جاء الخبر باستخلاف أبي جعفر المنصور خلعه وأعلن البيعة لنفسه،

فأرسل إليه أبو جعفر جيشاً بقيادة أبي مسلم الخراساني فالتقوا عند حران ودارت معركة بين الفريقين لمدة ستة أشهر وظلت المعركة سجالاً، ثم تحولت إلى أبي مسلم الذي انتصر وفر عبد الله بن على إلى البصرة عند أخيه سليمان فعلم بذلك أبو جعفر فبعث إلى أبي سليمان يأمره بإحضار عبد الله بن على إليه، وأعطاه الأمان لعبد الله ما جعله يثق به،

فجيء به إلى المنصور سنة ۱۳٩ هـ فأمر بحبسه وحبس من كان معه وظل فى حبسه حتى مات سنة ١٤٧ هـ وكانت هذه غدرة من المنصور.

وأما الخطر الثاني : أبو مسلم الخراساني

أراد أبو جعفر أن يوقع بأبي مسلم قبل أن يعود إلى خراسان بعد هذه المعركة، ولم يكن يريد أن يظهر لأبي مسلم مراده.
فكتب إلى أبي مسلم (إني قد وليتك مصر والشام فهـي خـيـر لـك مـن خراسان،  تكون بقرب أمير المؤمنين فإن أحب لقاءك أتيته من قريب)، فغضب أبو مسلم وقال : (يوليني الشام ومصر) وخراسان لي.

وعزم على عدم تنفيذ الأمر والعودة إلى خراسان، قرر أبو جعفر استعمال الدهاء مع أبي مسلم وبدأت بينهمـا حـرب مراسلات، حتى أرسل أبو جعفر إليه جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي، في جماعة من الأمراء وأمره أن يكلم أبا مسلم بألين ما يكلــم بـه أحـدا وأن يمنيه فإن أبى قال له: (هو بريء من العباس إن شققت العصا، وذهبت على وجهك ليدركنك بنفسه وليقاتلنك دون غيره، ولو خضت البحر الخضـم لخاضه خلفك، حتى يدركك فيقتلك أو يموت قبل ذلك).

وبالفعل يقابل الوفد أبا مسلم فيأبى أن يطيع أو أن يأتي لمقابلة أبي جعفر فيبلغاه الرسالة الأخيرة وسبحان الله فهذه الكلمات جعلت الجبار أبا مسلم يخنع ويجبن ويزداد ترددًا وحيرة.

كما كتب أبو جعفر إلى خليفته أبي مسلم على جند خراسان يعطيه إمامة خراسان ما عاش.. كل هذه الضغوط جعلت أبا مسلم يقرر الذهاب لمقابلة أبي جعفر المنصور الذي تمادى في المكر فأعطاه الأمان، وأظهر له عند دخوله المدائن الاحترام والتقدير ومراسم الاستقبال، ولكنه كان عازما على قتل أبي مسلم غدرًا وبالفعل قتله وهو يكلمه آمنًا على يد بعض حراسه. روى البيهقي عن الحاكم بسنده أن عبد الله بن المبارك سئل عن أبي مسلم أهو خير أم الحجاج؟

فقال: لا أقول إن أبا مسلم كان خيرًا من أحد، ولكن كان الحجاج شراً منه، قد اتهمه بعضهم على الإسلام ورموه ،بالزندقة ولم أر فيما ذكروه عن أبي مسلم ما يدل على ذلك، بل على أنه كان ممن يخاف الله من ذنوبه، وقد ادعى التوبة فيما كان منه من سفك الدماء في إقامة الدولة العباسية والله أعلم بأمره.

الخطر الثالث : محمد بن عبد الله بن الحسن بن زيد :

فقد زعموا أن بنى هاشم انتخبوه للخلافة وبايعوه بها في أواخر عهد بني أمية، وكذلك بايعه أبو جعفر المنصور فلما جاءت الدولة العباسية لم يف أبو جعفر ببيعته له، ولذلك لم يبايع محمد لأبي العباس ولا لأبي جعفر.

واستخفى في زمن أبي جعفر وظل أبو جعفر يجري تحرياته عن محمد فلما لم يعثر عليه اعتقل المنصور وصادر أمواله.ولا يزال المنصور يبحث عنه وأنفق كثيرًا من المال في هذه السبيل فلم يصل إلى شيء.. فاعتقل بني الحسن كلهم فلما علم محمد بذلك قال لأمه هند: (إني قد حملت أبي وعمومتي ما لا طاقة لهم به ولقد هممت أن أضع يدي في أيديهم فعسى أن يخلي عنهم، فتنكرت هند ثم جاءت السجن كهيئة الرسول فأذن لها فلما رآها عبد الله أبو محمد عرفها فنهض إليها فأخبرته بما قال محمد فقال: (كلا بل نصبر فوالله إني لأرجو أن يفتح الله به خيرا قولي له فليدع إلى أمره وليجد فيه فإن فرجنا بيد الله فانصرفت واستمر محمد على اختفائه.

فاستعمل معهم المنصور أشد أنواع العذاب ونقلهم إلى سجن بالعراق ومات أكثرهم في الحبس، نتيجة هذه الفظائع قرر محمد الظهور بالمدينة، وكان ذلك أول يوم من رجب سنة ١٤٥ هـ أعانه أهل المدينة وصعد منبر الحرم وخطب فيهم.

والحقيقة أنه كان من مكر أبي جعفر الخليفة أنه كتب إلى محمد على السنة قواده يدعونه إلى الظهور ويخبرونه أنهم معه.. مما جعل محمد يتوهم أن أغلب الأمصار معه، كما أن الحسن كان قد اتفق مع أخيه إبراهيم أن يظهر في نفس اليوم بالبصرة ليعظم ذلك على أبي جعفر ولكن أخاه مرض ولم يخرج..كما أنه حصر نفسه بالمدينة وهي ليست بمركز حربي يمكن للقائد أن يبقى فيه للدفاع طويلاً فحياة المدينة من خارجها فلا تحتمل الحصار إلا قليلاً.. وقـد كان فحوصرت المدينة ودبّر أبو جعفر أمره تدبيرا محكما.

وتكررت تجربة ابن الزبير فقد انتقض الناس من حول محمد الذي قتل بعــد أن أظهر شجاعة فائقة وذلك في رمضان سنة ١٤٥ هـ.
وبمقتل محمد استتب الأمر لأبي جعفر وتوطدت أركان الدولة الناشئة فلم يعد هناك في الأفق مخاطر داخلية.

بناء بغداد :

المدينة المدورة: هكذا بُنيت بغداد، وهكذا تفقد سكانها

شرع المنصور في بناء بغداد كمقر للخلافة العباسية وأتم بناءها سنة ١٤٦ هـ. وقالوا: إنه أنفق على بغداد ثمانية عشر ألف ألف دينار، قال الخطيب البغدادي: لم يكن لبغداد في الدنيا نظير في جلالة قدرها وفخامة أمرها وكثرة علمائها وأعلامها وحشر إليها المنصور العلماء من كل بلد وإقليم، حتى صارت أم الدنيا وسيدة البلاد ومهد الحضارة الإسلامية في عهد الدولة العباسية، وأربى سكانها على مليونين.

هوامش أبى جعفر المنصور تم الاقتباس من البداية والنهاية لابن كثير و موسوعة التاريخ لدكتور راغب السيرجانى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى