تاريخ وثقافة اسلامية

الوليد بن عبد الملك بانى مسجد دمشق

خلافة الوليد بن عبد الملك

الوليد بن عبد الملك بانى مسجد دمشق

بسم الله الرحمن الرحيم، كتب الرحمة على نفسه واشتق لها  اسما من اسمه، أمرنا بالتقوى والصلاح و أرسل لنا نبى الفلاح، خاتم الرسالة ومتم دعوة أنبياء الله صلى الله عليه وسلم وبعد.. هوامش من كتاب البداية والنهاية لابن كثير، عن أحد أهم ولاة بنى أميه، الوليد بن عبد الملك، والذى سار على نهج أبيه ووسع من مساحة حكمه وسيطرته، امتد حكمه الى اقصى الشرق والغرب، حتى انه أوقف بعض الجهاد خوفا على جنوده من دخول أراضى جديدة.

خلافة الوليد بن عبد الملك باني جامع دمشق

File:الجامع الأموي (دمشق) 20.jpg - Wikimedia Commons

مقالات ذات صلة

لما رجع من دفن أبيه خارج باب الجابية الصغير – وكان ذلك في يوم الخميس أو الجمعة للنصف من شوال من هذه السنة – أعني سنة ست وثمانين من الهجرة – لم يدخل المنزل حتى صعد المنبر – منبر المسجد الأعظم بدمشق – فخطب الناس، فكان مما قال:

” إنا لله وإنا إليه راجعون، والله المستعان على مصيبتنا بموت أمير المؤمنين، والحمد لله على ما أنعم به علينا من الخلافة، قوموا فبايعوا”

فكان أول من قام إليه عبد الله بن همام السلولي وهو يقول:

الله أعطاك التي لا فوقها … وقد أراد الملحدون عوقها

عنك ويأبى الله إلا سوقها … إليك حتى قلدوك طوقها

ثم بايعه، وبايعه الناس بعده.

“وذكر الواقدي: أنه حمد الله وأثنى بما هو أهله عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه لا مقدم لما أخر الله، ولا مؤخر لما قدم الله، وقد كان من قضاء الله وسابقته، وما كتبه على أنبيائه وحملة عرشه وملائكته الموت، وقد صار إلى منازل الأبرار بما لاقى في هذه الأمة – يعني بالذي يحق لله عليه – من الشدة على المريب، واللين لأهل الحق والفضل، وإقامة ما أقام الله من منار الإسلام، وإعلائه من حج هذا البيت، وغزو هذه الثغور، وشن هذه الغارات على أعداء الله عز وجل، فلم يكن عاجزا ولا مفرطا، أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة ; فإن الشيطان مع الفرد، أيها الناس، من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه، ومن سكت مات بدائه، ثم نزل فنظر إلى ما كان من دواب الخلافة، فحازها وكان جبارا عنيدا.”

ترجمة الوليد بن عبد الملك

وأما الوليد بن عبد الملك هذا فقد كان صينا في نفسه، حازما في رأيه، يقال: إنه لا تعرف له صبوة.

ومن جملة محاسنه ما صح عنه أنه قال: لولا أن الله قص علينا قصة قوم لوط في كتابه ما ظننت أن ذكرا يأتي ذكرا كما تؤتى النساء.

هو باني جامع دمشق الذي لا يعرف في الآفاق أحسن بناء منه، وقد شرع في بنائه في ذي القعدة من هذه السنة، فلم يزل في بنائه وتحسينه مدة خلافته، وهي عشر سنين فلما أنهاه انتهت أيام خلافته.

هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أَبُو الْعَبَّاسِ الْأُمَوِيُّ، بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ أَبِيهِ بِعَهْدٍ مِنْهُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِهِ وَالْوَلِيَّ مِنْ بَعْدِهِ، وَأُمُّهُ وَلَّادَةُ بِنْتُ الْعَبَّاسِ بْنِ جُزِيِّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرٍ الْعَبْسِيِّ. وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَكَانَ أَبَوَاهُ يُتْرِفَانِهِ، فَشَبَّ بِلَا أَدَبٍ، وَكَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وَكَانَ طَوِيلًا أَسْمَرَ، بِهِ أَثَرُ جُدَرِيٍّ، أَفْطَسَ الْأَنْفِ سَائِلَهُ، وَكَانَ إِذَا مَشَى يَتَوَكَّفُ فِي الْمِشْيَةِ أَيْ يَتَبَخْتَرُ وَكَانَ جَمِيلًا، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ دَمِيمًا، قَدْ شَابَ فِي مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ، وَقَدْ رَأَى سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَسَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ; لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ سَأَلَهُ مَاذَا سَمِعَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةَ؟ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ أَنَسٍ، وَسَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَحَكَى عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَرَادَ أَنْ يَعْهَدَ إِلَيْهِ ثُمَّ تَوَقَّفَ; لِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَجَمَعَ الْوَلِيدُ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ النَّحْوِ عِنْدَهُ فَأَقَامُوا سَنَةً، وَقِيلَ: سِتَّةَ أَشْهُرٍ. فَخَرَجَ يَوْمَ خَرَجَ أَجْهَلَ مِمَّا كَانَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: قَدْ أُجْهِدَ وَأُعْذِرَ.

وَقِيلَ: إِنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الْمَلِكِ أَوْصَاهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ لَهُ: لَا أَلْفَيَنَّكَ إِذَا مِتُّ، تَجْلِسُ تَعْصِرُ عَيْنَيْكَ، وَتَحِنُّ حَنِينَ الْأَمَةِ، وَلَكِنْ شَمِّرْ وَائْتَزِرْ وَدَلِّنِي فِي حُفْرَتِي وَخَلِّنِي وَشَأْنِي، وَادْعُ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ; فَمَنْ قَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا فَقُلْ بِسَيْفِكَ هَكَذَا.

وَقَالَ اللَّيْثُ: وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعَيْنِ غَزَا الْوَلِيدُ بِلَادَ الرُّومِ، وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ أَيْضًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: غَزَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَفِي الَّتِي بَعْدَهَا بِلَادَ مَلَطْيَةَ وَغَيْرَهَا. وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: أُؤْمِنُ بِاللَّهِ مُخْلِصًا. وَقِيلَ: كَانَ نَقْشُهُ: يَا وَلِيدُ إِنَّكَ مَيِّتٌ. وَيُقَالُ: إِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ: قَالَ لِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يَوْمًا: فِي كَمْ تَخْتِمُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: فِي كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى شُغْلِهِ يَخْتِمُهُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ. وَقِيلَ: فِي كُلِّ سَبْعٍ. قَالَ: وَكَانَ يَقْرَأُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَبْعَ عَشْرَةَ خَتْمَةً. قَالَ إِبْرَاهِيمُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الْوَلِيدُ! وَأَيْنَ مِثْلُهُ؟ بَنَى مَسْجِدَ دِمَشْقَ وَكَانَ يُعْطِينِي قِصَاعَ الْفِضَّةِ، فَأُقَسِّمُهَا عَلَى قُرَّاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ الْوَلِيدُ يَوْمًا مِنَ الْبَابِ الْأَصْغَرِ، فَرَأَى رَجُلًا عِنْدَ الْمِئْذَنَةِ الشَّرْقِيَّةِ يَأْكُلُ شَيْئًا، فَأَتَاهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ يَأْكُلُ خُبْزًا وَتُرَابًا، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: الْقُنُوعُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَذَهَبَ إِلَى مَجْلِسِهِ، ثُمَّ اسْتَدْعَى بِهِ، فَقَالَ: إِنْ لَكَ لَشَأْنًا، فَأَخْبِرْنِي بِهِ وَإِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ. فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كُنْتُ رَجُلًا جَمَّالًا، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ مِنْ مَرْجِ الصُّفَّرِ قَاصِدًا إِلَى الْكُسْوَةِ إِذْ زَرَتَنِي الْبَوْلُ، فَعَدَلْتُ إِلَى خَرِبَةٍ لِأَبُولَ، فَإِذَا سَرَبٌ فَحَفَرْتُهُ فَإِذَا مَالٌ صَبِيبٌ، فَمَلَأْتُ مِنْهُ غَرَائِرِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَقُودُ بِرَوَاحِلِي، وَإِذَا بِمِخْلَاةٍ مَعِي فِيهَا طَعَامٌ فَأَلْقَيْتُهُ مِنْهَا، وَقُلْتُ: إِنِّي سَآتِي الْكُسْوَةَ، وَرَجَعْتُ إِلَى الْخَرِبَةِ، لِأَمْلَأَ تِلْكَ الْمِخْلَاةَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ، فَلَمْ أَهْتَدِ إِلَى الْمَكَانِ بَعْدَ الْجَهْدِ فِي الطَّلَبِ، فَلَمَّا أَيِسْتُ رَجَعْتُ إِلَى الرَّوَاحِلِ فَلَمْ أَجِدْهَا وَلَمْ أَجِدِ الطَّعَامَ، فَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنِّي لَا آكُلُ إِلَّا خُبْزًا وَتُرَابًا. قَالَ: فَهَلْ لَكَ عِيَالٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَفَرَضَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.

قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: وَبَلَغَنَا أَنَّ تِلْكَ الرَّوَاحِلَ سَارَتْ حَتَّى أَتَتْ بَيْتَ الْمَالِ، فَتَسَلَّمَهَا خَازِنُهُ فَوَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ.

وَقَالَ نُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّمْعَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ قَوْمَ لُوطٍ فِي الْقُرْآنِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا.

قَالُوا: وَكَانَ الْوَلِيدُ لَحَّانًا. كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ الْوَلِيدَ خَطَبَ يَوْمًا، فَقَرَأَ فِي خُطْبَتِهِ: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة: 27] فَضَمَّ التَّاءَ مِنْ لَيْتَهَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ عَلَيْكَ وَأَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْكَ. وَكَانَ يَقُولُ: يَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَوْمًا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ: إِنَّكَ لَرَجُلٌ لَوْلَا أَنَّكَ تَلْحَنُ. فَقَالَ: وَهَذَا ابْنُكَ الْوَلِيدُ يَلْحَنُ. فَقَالَ: لَكِنَّ ابْنِي سُلَيْمَانَ لَا يَلْحَنُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَأَخِي أَبُو فُلَانٍ لَا يَلْحَنُ.

وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ تِسْعَ سِنِينَ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: وَكَانَ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ تِسْعَةَ عَشَرَ وَلَدًا ذَكَرًا; وَهُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَمُحَمَّدٌ، وَالْعَبَّاسُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَتَمَّامٌ، وَخَالِدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمُبَشِّرٌ، وَمَسْرُورٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَصَدَقَةُ، وَمَنْصُورٌ، وَمَرْوَانُ، وَعَنْبَسَةُ، وَعُمَرُ، وَرَوْحٌ، وَبِشْرٌ، وَيَزِيدُ، وَيَحْيَى، فَأُمُّ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُحَمَّدٍ; أُمُّ الْبَنِينَ بِنْتُ عَمِّهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ، وَأُمُّ أَبِي عُبَيْدَةَ فَزَارِيَّةٌ، وَسَائِرُهُمْ مِنْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ شَتَّى.

قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: وَقَدْ رَثَاهُ جَرِيرٌ فَقَالَ

يَا عَيْنُ جُودِي بِدَمْعٍ هَاجَهُ الذِّكَرُ … فَمَا لِدَمْعِكِ بَعْدَ الْيَوْمِ مُدَّخَرُ

إِنَّ الْخَلِيفَةَ قَدْ وَارَتْ شَمَائِلَهُ … غَبْرَاءُ مُلْحَدَةٌ فِي جَوْلِهَا زَوَرُ

أَضْحَى بَنُوهُ وَقَدْ جَلَّتْ مُصِيبَتُهُمْ … مِثْلَ النُّجُومِ هَوَى مِنْ بَيْنِهَا الْقَمَرُ

كَانُوا جَمِيعًا فَلَمْ يَدْفَعْ مَنِيَّتَهُ … عَبْدُ الْعَزِيزِ وَلَا رَوْحٌ وَلَا عُمْرَ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى