تاريخ وثقافة اسلامية

فتح عمرو بن العاص لمصر

فتح مصر: ربيع أول سنة ٢٠ هـ

بسم الله ناصر الحق وغالب الكفر، أتم نصره للمؤمنين ما ساروا فى طريقه وعلى درب نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ان فتح مصر على يد عمرو بن العاص و فى فترة الخليفة عمر بن الخطاب لمصر  لهو أمر من الأمور الجلل التى مهدت لما هو بعده من فتح أفريقيا، وسوف نتناول هذا الموضوع فى هوامش صغيرة من الفتح والنصر.

فتح مصر: ربيع أول سنة ٢٠ هـ

لما أتم الله على المسلمين فتح بيت المقدس استأذن عمرو بن العاص سيدنا عمر بن الخطاب في فتح مصر … وكان عمر مترددًا بعض الشيء، ولكن انشرح صدره لبدء هذا الفتح.

ولقد كان عمر يعلم من حديث رسول الله ﷺ عن مصر ما يشجع على التعجل بفتحها فعنه قال قال رسول الله ﷺ : إذا فتح الله عليكم مصر…. فاتخذوا منها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض فقال أبو بكر: «ولم يا رسول الله؟». قال: «لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة»

وفي حديث آخر قال : «إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا فإن لكم فيها ذمة ورحما» والرحم إشارة لأم إسماعيل هاجر المصرية.. وفي روايــة … فإن لكم فيها ذمة وصهرا إشارة إلى مارية القبطية التي أهداها المقوقس إلى رسول الله.

توجه عمرو بن العاص بجيشه البالغ عدده ثمانية آلاف نحو مصر.

فتح مصر بِقيادة عمرو بن العاص | الفتح الإسلامي لمصر | موقع اسكتشات

سار عمرو بجيشه من فلسطين إلى رفح وانحدر منها إلى العريش ومـن العريش انحدر عمرو بجيشه نحو الغرب، حتى بلغ حصن الفرما … وفيـه كـان أول قتال بين المسلمين والروم  واستمر شهر… وكان الظفر فيه للمسلمين. وخرب المسلمون الحصن تمامًا بما فيه السفن الحربية حتى لا يستخدمها الروم في فرصة قادمة.

استمر الزحف نحو مصر حتى وصل المسلمون إلى حصن بلبيس، فوجدوا قوة كبيرة من الروم هناك ومعهم قائدهم ارطبون، وحاصروا الحصن لمدة شهر حتى فتح الله على المسلمين وقتل أرطبون.

ثم زحف المسلمون إلى حصن أم دنين شمال حصن، بابلیون، فأحدثوا في الروم مقتلة عظيمة، وتوقع الروم أن يتجه عمرو نحو حصن بابليون مباشرة، ولكنه اتجه بجيشه غربا فعبر النيل، وكأنه يريد أن يوهم عدوه أنه منصرف عنهم إلى غيرهم، ثم زاد في تضليلهم فاتجه جنوبا نحو الفيوم، فلما أشرف عليها جاءته أنباء أن الروم قد حشدت قوات كبيرة بها… عندئذ لزم عمرو الصحراء فلم يبرحها، فاستجم الجيش بعض الشيء، وبعث عمرو يطلب مددًا من دار الخلافة.

وبعث عمر بمدد إلى عمرو بن العاص وكتب له كتابا (إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل رجل يقوم مقام الألف).

وكان هؤلاء الرجال الأربعة هم: المقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت والزبير بن العوام، ومسلمة بن مخلد الأنصاري. فأما المقداد بن الأسود فهو القائل لرسول الله ﷺ يوم بدر مثبتـا: (يـا رســول الله امض بنا حيث أمرك الله فوالله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، بل اذهب أنت وربك فقاتلا إنـا معكما مقاتلون فاستبشر رسول الله ﷺ خيرا). وأما عبادة بن الصامت فهو أحد الذين جمعوا القرآن في عهد رسول الله ﷺ وأما الزبير بن العوام فهو حواري النبي.

وأما مسلمة بن مخلد فقد قال عنه مجاهد إمام التفسير وقد عاصر مسلمة “كنت أرى أني أحفظ الناس بالقرآن حتى صليت خلف مسلمة بن مخلد فقراً البقرة كلها فما أخطأ واوا ولا ألفا”

هؤلاء- يا أخي من أمراء الجند الذين سيفتحون مصر، فكلـهـم مـن أصحاب المواقف ومن حملة القرآن، ولم يكتفوا بالتبرك به، ولم يكتفوا بسابق مواقفهم المحمودة مع رسول الله ولكنهم واصلوا العمل والعطاء إلى آخــر رمق في حياتهم، هؤلاء هم فاتحو مصر وأصحاب الفضل علينا … فكــم منـا يحفظ أسماءهم ويعرف مناقبهم؟! فاحفظ أخي أسماءهم واعرف مآثرهم واروها لمن حولك واحكها لأبنائك، لعله يخرج من بينهم من يعيد للدين مجده وللإسلام عزه.

لقد صار عدد الجيش بذلك اثنى عشر ألفا و دارت معركة سريعة في عين شمس ولما وصل المدد توجـه عمـرو نحو حصن بابليون فحاصره شهرا… ولما طال الحصار وضاق الأقباط أرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص رسالة جاء فيها: «إنكــم قـوم قـد ولجـتـم بلادنا، والححتم على قتالنا، وطال مقامكم في أرضنا، وإنما أنتم عصبة يسيرة، وقد أظلكم الروم وجهزوا إليكم، ومعهم من العدة والسلاح، وقد أحاط بكــم هـذا النيل، وإنما أنتم أسارى في أيدينا فابعثوا إلينا رجالاً لكم نسمع من كلامهم، فلعله يأتي الأمر بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب، وينقطع عنا وعنكم القتال قبل أن تغشاكم جموع الروم فلا ينفعنا الكلام ولا نقدر عليه، ولعلكم أن تندموا إذا كان الأمر مخالفًا لطلبكم ورجائكم، فابعثوا إلينا رجالاً من أصحابكم نعاملهم على ما نرضى نحن وهم به على شيء

فتح مصر والإسكندرية

الفتح الإسلامي للإسكندرية

ولما وصلت رسل المقوقس إلى عمرو حبسهم يومين عنده ثم رد على المقوقس برسالة جاء فيها:(إنه ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال: إما أن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا، وإما إن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وبينكم وهو خير الحاكمين)

فلما عادت الرسل إلى المقوقس وقرأ ما بالرسالة سألهم: كيف رأيتم هؤلاء؟ قالوا: «رأينا قومًا الموت أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إلى أحدهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا فهمة إنما جلوسهم على التراب، وأكلهم على ركبهم، أميرهم كواحد منهم…». ثم إن المقوقس ألح على عمرو أن يرسل وفدًا للتفاوض معه، فاختار عمرو عشرة من خيرة رجاله، على رأسهم عبادة بن الصامت، وكان رجلاً أسمر اللون طويل القامة، فلما دخلوا على المقوقس تقدمهم عبادة، فهابه المقوقس لسواده وقال: نحوا عني هذا الأسود.

فقال باقي الوفد: إن هذا الأسود أفضلنا رأيا، وعلما، وقد أمره الأمير دوننا وأمرنا ألا نخالف أمره قال المقوقس وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم؟ قالوا: ليس ينكر السواد فينا.

فقال المقوقس لعبادة: تقدّم يا أسود وكلمني، برفق، فإني أهاب سوادك، وإن اشتد كلامك على ازددت لذلك هيبة.

قال عبادة قد سمعت مقالتك، وإن فيمن خلفت ورائي من أصحابي ألف رجل أشد سوادا مني وأفظع منظرًا، ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم منك لي.

ومضى الحوار بين المقوقس وعبادة وانتهى كما سبق إلى الخيارات الثلاثة الحاسمة… فرفض المقوقس وقومه العرض، ولم يبق إلا القتال.

ودارت رحى المعركة والقوم يظنون أنهم بمأمن داخل حصن بابليون، فالأسوار عالية والمياه تحيط بالحصن، وأبوابه محصنة والمؤن كثيرة….

ولكن المسلمين استطاعوا أن يجتازوا كل هذه الموانع، واستطاع الزبير بـن العوام ومعه نفر من أصحابه أن يسبحوا ويتسلقوا جدران السور إلى داخل الحصن ويفتحوا أبوابه، ودخل المسلمون فظفروا بمن فيه بعد حصار دام سبعة أشهر ..ولم يجد المقوقس بدا من الاستسلام وطلب الصلح فصالحهم عمـرو بـن العاص وكتب لهم كتابا جاء فيه

بسم الله الرحمن الرحيم… هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان لأنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصليبهم وبرهم ،وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقص ولا يساكنهم النوب (أهل النوبة)، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية … ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله، وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمة المؤمنين.

ونبه المقوقس عمرًا أن هذا الصلح لن يعجب هرقل وأنه غير مسئول عما يرتكبه الروم فقال له : وأنا متمم لك على نفسي ومن معي، وأمـا الــروم فأنـا بريء منهم… فوافقه عمرو.

فتح الإسكندرية محرم سنة ٢١ هـ :

ثم أراد عمرو أن يتوجه لفتح الإسكندرية، فبعث يستأذن الخليفة فأعطاه الإذن، ولم يكن الطريق إلى الإسكندرية سهلاً فحصون الروم منتشرة على طول الطريق … ولكن عمرًا وجنوده مضوا غير عابئين بهذه العقبات وحاصروا الإسكندرية ثلاثة أشهر، وقيل أربعة عشر شهراً حتى أن عمر غضب لذلك، وأرسل إلى عمرو رسالة عنيفة يقول له فيها : ((ما أبطأتم إلا لما أحدثتم من ذنوب فراجعوا أنفسكم..». ثم إن المنية وافت هرقل الذي كان يمد الروم بالإمدادات… فلما مات انقطع المدد عن الإسكندرية، فوهن عزم المدافعين عنها وتم فتح الإسكندرية.

ومن مشاهد فتح مصر والإسكندرية :

  • كان عمرو بن العاص قد سلم اللواء لمولاه وردان، وجعـل علـى المقدمة ابنه عبد الله، فأصيب عبد الله يومئذ بإصابات بليغة، حتى أخذ دمه يسيل من أنحاء جسمه، فلما اشتدت جراحه قال يا وردان لو تقهقرت قليلاً نصيب الروح (أي نرتاح) فقال وردان وهو يتقدم: الروح تريد؟ الروح أمامك وليس خلفك ….فاهتز لهذه الكلمات عبد الله، واندفع يقاتل أعداء الله.. وعلـم عمـرو بمـا أصاب ولده فأرسل يسأل عن جراحه فقال عبد الله:

أقول لها إذا جشأت وجاشت ……….. رويدك تحمدي أو تستريحي

فلما رجع الرسول إلى عمرو يحمل له إجابة ابنه فرح عمرو وقال: هو ابني حقا.

  • ولما أتم الله فتح الإسكندرية أرسل عمرو بن العاص إلى عمـر بـن الخطاب يبشره بالفتح، ويروي لنا معاوية بن حديج – رسول عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين – قصة قدومه على عمر بن الخطاب فيقول: .. فقدمت المدينة في الظهيرة، فأنخت راحلتي بباب المسجد، فبينمـا أنـا قاعد فيه إذ خرجت جارية من منزل عمر، فرأتني شاحبا على ثياب السفر، فأتتني وقالت: من أنت؟ قلت: أنا معاوية بن حديج رسول عمرو ابن العاص، فانصرفت عني ثم أقبلت تشتد أسمع خفيف إزارهـا علـى ساقها حتى دنت مني، فقالت : قم فأجب أمير المؤمنين… فتبعتها، فلما دخلت فإذا بعمر بن الخطاب يتناول رداءه بإحدى يديه ويشد إزاره بالأخرى، فقال: ما عندك؟ قلت: خير يا أمير المؤمنين، فتح الله الإسكندرية..فخرج معي إلى المسجد فقال للمؤذن أذن في الناس: الصلاة جامعة… فاجتمع الناس، ثم قال لي: قم فأخبر أصحابك، ففعلت، ثــم صلـى ودخل منزله واستقبل القبلة، فدعا بدعوات ثم جلس فقال يا جارية هل من طعام؟ فأتت بخبز وزيت فقال: كل فأكلت على حياء. ثم قال: ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟

فقلت: قلت أمير المؤمنين قائل أي نائم وقت الظهيرة.

فقال عمر: لبئس ما قلت … لئن تحت النهار لأضيعن الرعية ولئن نمت بالليل لأضيعن نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟

.________.________.________.________.________.________.________.________.________.________.

تم ذلك المقال بالرجوع الى كتاب الموسوعة الميسرة فى التاريخ الاسلامى للدكتور راغب السيرجانى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى