تاريخ وثقافة اسلامية

هوامش من البداية والنهاية (الحجاج بن يوسف الثقفى)

الحجاج بن يوسف الثقفى

ان الاطلاع الواسع لسيرة الأسرة الأموية منذ التأسيس على يد الصحابى الجليل معاوية بن ابى سفيان  الى سقوط الدولة سوف يصل الى نتائج واضحة، ان فترات قوة الدولة أو بمفهوم أوسع أن وجود الدولة بالمعنى الواسع، لم تتحقق الا فى عهد عبد الملك بن مروان، و أهم اسباب قوة عهده وبسط سيطرته ولا سيما فى العراق مرتبط ارتباط وثيق بوجود الحجاج بن يوسف الثقفى.

الحجاج بن يوسف الثقفى

قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها، وجئناهم بالحجاج لغلبناهم.

تطرق ابن كثير فى البداية والنهاية الى الحجاج وذلك اثناء سرد سنوات حكم عبد الملك بن مروان من العام 65 هجريا حتى وفاته 86 هجريا ومما ذكر باستفاضة تولى الحجاج للعراقين(البصرة والكوفة) بعد عزله عن المدينة.

“ثم دخلت سنة خمس وسبعين ففيها غزا محمد بن مروان – أخو عبد الملك بن مروان، وهو والد مروان الحمار – صائفة الروم حين خرجوا من عند مرعش، وفيها ولى عبد الملك بن مروان نيابة المدينة ليحيى بن الحكم بن أبي العاص، وهو عمه، وعزل عنها الحجاج.”

ولعل الحجاج كان يتمنى حكم العراق منذ اليوم الأول له فى ديوان الحكم لعبد الملك بن مروان ألا ان عزله من حكم المدينة كان من أهم أسبابه هو عدم التألف بينه وبين أهل المدينة و ذلك بعد ما كان منه من حصار الحجاز قبيل قتل عبد الله بن الزبير، وتجويع أهله واستخدام المنجنبق، وشكوى الناس لعبد الملك منه اثناء الحج.

خطبة الحجاج فى أهل الكوفة

منهم الحجاج بن يوسف الثقفي.. كيف بلغ معلمو الأطفال رُتبة الولاية والوزارة؟ | الجزيرة نت

ان الحجاج وكما كان يطلق عليه فى ثقيف معلم الصبيان، وهو عمله الذى كان يعمله فى ثقيف قبل الذهاب للشام، له من فصاحة اللسان وسرعة البديهه وحسن النطق والحكم ما جعل عبد الملك يوليه ويختاره على ما هو اعلى منه شأنا ولعلى فصاحة لسانة فى خطب العراقيين لخير دليل.

ولى عبد الملك الحجاج بن يوسف نيابة العراق ; البصرة والكوفة، وما يتبع ذلك من الأقاليم الكبار، وذلك بعد موت أخيه بشر بن مروان، فرأى عبد الملك أنه لا يسد عنه أهل العراق غير الحجاج ; لسطوته وقهره وقسوته وشهامته، فكتب إليه وهو بالمدينة بولاية العراق، فسار من المدينة إلى العراق في اثني عشر راكبا على النجائب، فنزل قرب الكوفة فاغتسل واختضب، ولبس ثيابه، وتقلد سيفه، وألقى عنة العمامة بين كتفيه، ثم سار فنزل دار الإمارة، وذلك يوم الجمعة، وقد أذن المؤذن الأول، فخرج عليهم وهم لا يعلمون، فصعد المنبر وجلس عليه، وأمسك عن الكلام طويلا، وقد شخصوا إليه بأبصارهم، وجثوا على الركب، وتناولوا الحصى ليقذفوه بها، وقد كانوا حصبوا الذي كان قبله، فلما سكت أبهتهم، وأحبوا أن يسمعوا كلامه، فكان أول ما تكلم به أن قال:”يا أهل العراق، يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق، والله إن كان أمركم ليهمني قبل أن آتى إليكم، ولقد كنت أدعو الله أن يبتليكم بي، فأجاب دعوتي، إلا أني سرت البارحة فسقط مني سوطي الذي أؤذيكم به، فاتخذت هذا مكانه – وأشار إلى سيفه – ثم قال: والله لأجرنه فيكم جر المرأة ذيلها، ولأفعلن بكم ولأصنعن، فلما سمعوا كلامه جعل الحصى يتساقط من أيديهم، وقيل: إنه دخل الكوفة في شهر رمضان من هذه السنة ظهرا، فأتى المسجد، وصعد المنبر وهو معتجر بعمامة حمراء، متلثم بطرفها، ثم قال: علي بالناس. فحسبه الناس وأصحابه من الخوارج، فهموا به حتى إذا اجتمع الناس قام وكشف عن وجهه، وقال:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا … متى أضع العمامة تعرفوني

ثم قال: أما والله إني لأحمل الشر بحمله، وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله، وإني لأرى رءوسا قد أينعت وحان قطافها، وإني لأنظر إلى الدماء تترقرق بين العمائم واللحى قد شمرت عن ساقها فشمري
ثم أنشد أيضا:
هذا أوان الشد فاشتدي زيم … قد لفها الليل بسواق حطم
لست براعي إبل ولا غنم … ولا بجزار على ظهر وضم
قد لفها الليل بعصلبي … أروع خراج من الدوي
مهاجر ليس بأعرابي ثم قال: إني يا أهل العراق ما أغمز بغماز، ولا يقعقع لي بالشنان، ولقد فررت عن ذكاء، وجربت إلى الغاية القصوى، وإن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان نثر كنانته، ثم عجم عيدانها عودا عودا، فوجدني أمرها عودا، وأصلبها مغمزا، فوجهني إليكم، فإنكم طالما أوضعتم في أودية الفتن، وسننتم سنن الغي، أما والله لألحونكم لحي العود، ولأعصبنكم عصب السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، إني والله لا أعد إلا وفيت، ولا أخلق إلا فريت، فإياي وهذه الجماعات وقيلا وقالا، والله لتستقيمن على سبيل الحق، أو لأدعن لكل رجل منكم شغلا في جسده. ثم قال: من وجدت بعد ثالثة من بعث المهلب – يعني الذين كانوا قد رجعوا عنه لما سمعوا بموت بشر بن مروان لقتال الخوارج – سفكت دمه، وانتهبت ماله، ثم إن الحجاج قال في خطبته هذه: شاهت الوجوه، إن الله ضرب مثلا {قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} [النحل: 112] (النحل: 112) ، وأنتم أولئك، فاستوثقوا واستقيموا، فوالله لأذيقنكم الهوان حتى تدروا، ولأعصبنكم عصب السلمة حتى تنقادوا، وأقسم بالله لتقبلن على الإنصاف، ولتدعن الإرجاف وكان وكان، وأخبرني فلان عن فلان، والخبر وما الخبر، أو لأهبرنكم بالسيف هبرا يدع النساء أيامى، والأولاد يتامى، حتى تمشوا السمهى، وتقلعوا عن ها وها. في كلام طويل بليغ غريب، يشتمل على وعيد شديد، ليس فيه وعد بخير.

فلما كان في اليوم الثالث سمع تكبيرا في السوق، فخرج حتى جلس على المنبر، فقال: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق، إني سمعت تكبيرا في الأسواق، ليس بالتكبير الذي يراد به الترغيب، ولكنه تكبير يراد به الترهيب، وقد عصفت عجاجة تحتها قصف، يا بني اللكيعة، وعبيد العصا، وأبناء الإماء والأيامى، ألا يربع كل رجل منكم على ظلعه، ويحسن حقن دمه، ويبصر موضع قدمه، وأقسم بالله لأوشك أن أوقع بكم وقعة تكون نكالا لما قبلها، وأدبا لما بعدها.”

وقام في أهل البصرة بخطبة نظير ما قام في أهل الكوفة من الوعيد الشديد والتهديد الأكيد.

قيل عن الحجاج بن يوسف الثقفى

الحجاج
  • وقال أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود: ما بقيت لله حرمة إلا وقد ارتكبها الحجاج. وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس أن أباه لما تحقق موت الحجاج تلا قوله تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} [الأنعام: 45] قلت: وقد توفي الحجاج سنة خمس وتسعين.
  • عن أسماء بنت أبي بكر، أنها قالت للحجاج بن يوسف: «أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه».

ان صورة الحجاج هو صورة كل ظالم مستبد لا يترك أثر مع الناس الا الاثر الذى ترتجف منه القلوب وتشمأز منه العقول والقلوب، وهو عظه لمن هم على مثل شاكلته، فأين هو الحجاج الان واين ما ملك وما جمع، هو الان بين يدى الله يحاسب على ما قدم وما اخر وما ظلم، وما ربك بظلام للعباد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى