عثمان بن عفّان: الخليفة الثالث ومناصر الإسلام
يُعتبر عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، واحدًا من أعظم الشخصيات في التاريخ الإسلامي، ومن أبرز الخلفاء الراشدين الذين أسهموا في نشر الإسلام وتقوية دعائمه. وُلد في مكة المكرمة لأسرة عريقة في قريش، وكان له مكانة اجتماعية واقتصادية مرموقة، مما ساعده في لعب دورٍ محوري في بناء المجتمع الإسلامي وتوجيه مساره.
النشأة والحياة قبل الإسلام
وُلد عثمان بن عفّان في عام 576 ميلادية في مكة، وكان ينتمي إلى بني أمية، وهي واحدة من أبرز وأقوى القبائل في قريش. ورث عثمان مكانة مرموقة وثروة طائلة من والده، مما جعله من أثرياء قريش وأصحاب النفوذ. عُرف عنه منذ صغره الصدق والأمانة، وكان يتجنب اللهو الذي كان سائدًا في تلك الفترة.
عرف عثمان القراءة والكتابة، وهي مهارة نادرة في مجتمع مكة آنذاك، وقد ساعدته هذه المهارة في أعمال التجارة التي كان يزاولها بنجاح، مما أكسبه ثقة واحترام الجميع.
إسلام عثمان بن عفان
كان عثمان، رضي الله عنه، من أوائل من اعتنقوا الإسلام على يد أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، في بداية دعوة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم. كان لإسلامه أثر كبير، خاصة أن قريش كانت تنظر إلى بني أمية نظرة احترام وتقدير، ودخول عثمان إلى الإسلام زاد من قوة الدعوة، حيث كان ذلك بمثابة تأكيد على أن الإسلام ليس دينًا للفقراء والمستضعفين فقط، بل أيضًا للأشراف والأثرياء.
عانى عثمان من الاضطهاد بسبب إسلامه، لكنه لم يتراجع، بل كان ثابتًا على دينه. وعندما أُمر المسلمون بالهجرة إلى الحبشة، كان عثمان من أوائل المهاجرين مع زوجته رقية بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وقد وصفه النبي بأنه “أول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط”.
دور عثمان في بناء المجتمع الإسلامي
كان عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، من أقرب الصحابة إلى قلب الرسول، صلى الله عليه وسلم، لما كان يتمتع به من خصال حميدة، فقد عرف بكرمه وسخائه في خدمة الإسلام. ومن أشهر مواقفه، شراؤه بئر “رومة” التي كانت المصدر الوحيد للماء في المدينة، ثم جعلها وقفًا في سبيل الله، ليشرب منها المسلمون بلا مقابل.
شارك عثمان أيضًا في تجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك، حيث أنفق أموالًا طائلة من ماله الخاص لتأمين احتياجات الجيش من مؤن وسلاح، مما دفع النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى القول: “ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم”.
خلافة عثمان بن عفان
تولى عثمان بن عفّان الخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في عام 644 ميلادية، واستمر حكمه لمدة 12 عامًا، تميّزت نصفها الأول بالرخاء والاستقرار، والنصف الثاني بالفتن والمؤامرات.
تميزت خلافة عثمان بالعديد من الإنجازات الهامة، من أبرزها:
1. جمع القرآن الكريم: من أعظم الأعمال التي قام بها عثمان خلال خلافته، جمع المصحف الشريف في نسخة واحدة، حيث كان المسلمون يقرؤون القرآن بطرق مختلفة، مما أدى إلى وجود بعض الاختلافات في التلاوة. فأمر عثمان بنسخ المصحف وإرسال النسخ إلى الأمصار، وتوزيعها على المسلمين، ليُحافَظ على نص القرآن كما هو بلا زيادة أو نقصان.
2. التوسع الجغرافي: في عهده، توسعت رقعة الدولة الإسلامية لتشمل بلاد الشام، ومصر، وشمال أفريقيا، وقبرص، والمناطق المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط. قام عثمان بتعزيز الأسطول البحري، مما مكن المسلمين من السيطرة على البحر ومواجهة البيزنطيين في معركة ذات الصواري، التي تعتبر أول معركة بحرية كبرى في تاريخ الإسلام.
3. الإدارة والتنظيم: أدخل عثمان نظام الدواوين، وهو نظام إداري يساعد على تنظيم شؤون الدولة. كما قام بتعيين ولاة من أقاربه، مما أثار بعض الانتقادات لاحقًا، لكنه كان يرى فيهم الكفاءة والقدرة على قيادة الأقاليم.
الفتنة ومقتل عثمان
في السنوات الأخيرة من خلافته، بدأت الفتنة بالظهور نتيجة لعدة أسباب، منها تعيين بعض الولاة من بني أمية، وانتشار الشائعات حول سياساته. استغل بعض المغرضين هذه الأمور لإشعال نار الفتنة بين المسلمين، مما أدى إلى حصار عثمان في بيته.
رغم الفرص المتاحة له للدفاع عن نفسه، رفض عثمان استخدام القوة أو التسبب في إراقة دماء المسلمين، مفضلًا الصبر والاحتساب. وفي النهاية، تسلل بعض الثائرين إلى منزله وقتلوه وهو يقرأ القرآن في العام 656 ميلادية، لتُختم بذلك حياة ثالث الخلفاء الراشدين بمشهد مأساوي أدمى قلوب المسلمين.
الخاتمة
يظل عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، شخصية إسلامية عظيمة تركت بصمة واضحة في تاريخ الإسلام. كان نموذجًا في الصبر، والكرم، والتفاني في خدمة الدين. رغم المحن التي مر بها في نهاية حياته، إلا أن إنجازاته وفضائله تبقى شاهدة على عظمته وإخلاصه. لقد حافظ عثمان على وحدة المسلمين، وعمل جاهدًا لنشر الإسلام وترسيخ دعائمه، وسيبقى اسمه خالدًا في ذاكرة الأمة الإسلامية إلى الأبد.