لما قدم عمر بن عبد العزيز المدينة واليا ، فصلى الظهر دعا بعشرة : عروة ، وعبيد الله ، وسليمان بن يسار ، والقاسم ، وسالم ، وخارجة ، وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه ، ونكون فيه أعوانا على الحق ، ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم ، أو برأي من حضر منكم ، فإن رأيتم أحدا يتعدى ، أو بلغكم عن عامل ظلامة ، فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني فجزوه خيرا ، وافترقوا .
رضى الله عن الخليفة الأموى الراشد عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين، وقدوة السائرين والحاضرين ومثال الرشد فى الحكم للحاكمين ،حكم المسلمين فى فترة وجيزة، عدل فأمن الناس عدلة، واستقامت الرعية لأمرة حتى قيل أن الراعى كان لا يخاف على غنمه من الذئب فى عصره، حفيد عمر بن الخطاب و ابن بنت بائعة اللبن رضى الله عنهم أجمعين.
أن أول ما استبين من عمر بن عبد العزيز أن أباه ولي مصر ، وهو حديث السن ، يشك في بلوغه ، فأراد إخراجه ، فقال : يا أبت . أو غير ذلك ؟ لعله أن يكون أنفع لي ولك : ترحلني إلى المدينة ، فأقعد إلى فقهاء أهلها ، وأتأدب بآدابهم ، فوجهه إلى المدينة ، فاشتهر بها بالعلم والعقل مع حداثة سنه . قال : ثم بعث إليه عبد الملك بن مروان عند وفاة أبيه ، وخلطه بولده ، وقدمه على كثير منهم ، وزوجه بابنته فاطمة التي قيل فيها : بنت الخليفة ، والخليفة جدها أخت الخلائف ، والخليفة زوجها وكان الذين يعيبون عمر ممن يحسده بإفراطه في النعمة ، واختياله في المشية .
وصف عمر بن عبد العزيز
وقد وصفه بن كثير فى ترجمته فى البداية والنهاية كالتالى: –
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو حفص القرشي الأموي أمير المؤمنين وأمه أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ويقال له : أشج بني مروان . وكان يقال : الأشج والناقص أعدلا بني مروان . فهذا هو الأشج.
استخلاف سليمان لعمر بن عبد العزيز :
روى ابن جرير عن رجاء بن حيوه – وكان وزيــر صـدق لبني أمية – قال: استشارني سليمان بن عبد الملك وهو مريض أن يولي له ابنا صغيرًا لم يبلغ الحلم. فقلت: إن مما يحفظ الخليفة في قبره أن يولي على المسلمين الرجل الصالح.
ثم شاورني في ولاية ابنه داود فقال من ترى؟ فقلت: رأيـك يـا أمـير المؤمنين. :قال فكيف ترى في عمر بن عبد العزيز فقلت: أعلمه والله خيرا فاضلاً مسلما يحب الخير وأهله، ولكن أتخوف عليه إخوتك ألا يرضوا بذلك. فقال: هو والله على ذلك. وأشار رجاء أن يجعل يزيد بن عبد الملك ولى العهد من بعد عمر بن عبد العزيز ليرضى بذلك بنو مروان فكتب
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من عبد الله سليمان بن عبد الملك لعمر ابن عبد العزيز، إني قد وليته الخلافة من بعدي ومن . بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوه واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم عدوكم .
وختم الكتاب وأرسل إلى كعب بن حامد العبسي صاحب الشرطة، فقال له: «اجمع أهل بيتي فمرهم أن يبايعوا على ما في هذا الكتاب مختوما، فمن أبى منهمفاضرب عنقه … … ففعل».
فلما مات سليمان أخذ رجاء الأمر بحزم، فجمع الناس في مسجد دابـق، حيث دفن سليمان، فبايع بنو مروان ونهض الناس إلى عمر بن عبد العزيز وهو في مؤخرة المسجد فلما تحقق ذلك قال: إنا لله وإنا إليه راجعـون، ولم تحمله رجلاه حتى أصعدوه المنبر فخطب خطبة بليغة ثم أتوا إليه بمراكب الخلافة فأبى أن يركبها وركب دابته وانصرف مع الناس حتى أتوا دمشق.
تم اقتباس النص من الموسوعة الشاملة فى التاريخ للدكتور راغب السرجانى فصل الدولة الأموية.
سنوات خلافة عمر بن عبد العزيز أشج بني مروان (بحث عن عمر بن عبد العزيز)
( من صفر ۹۹ هـ وحتى رجب ١٠١هـ )
لقد كان عمر بن عبد العزيز مقربا إلى قلب سليمان وكان سليمان يعرف لعمر قدره ومن ثم اختاره.
ولقد كان سليمان يحج ومعه عمر بن عبد العزيز فلما وقفا بعرفة ورأى سليمان كثرة الناس قال له عمر :
هؤلاء رعيتك اليوم وأنت مسئول عنهم غدا، وفي رواية وهم خصماؤك يوم القيامة، فبكى سليمان وقال بالله نستعين، ولما أصابهم يوما مطر ورعد فزع سليمان وضحك عمر فقال له: أتضحك؟
فقال: نعم هذه آثار رحمته ونحن في هذه الحال، فكيف بآثار غضبه وعقابه ونحــن في تلك الحال؟
وذكر الإمام مالك أن سليمان وعمر تقاولا مرة، فقال سليمان في جملة الكلام: كذبت، فقال عمر: تقول كذبت !!؟ والله ما كذبت منذ أن عرفت أن كذب يضر أهله، ثم هجره وعزم على الرحيل إلى مصر، فلم يمكنه سليمان، ثم بعث إليه فصالحه وقال: ما عرض لي أمر يهمني إلا خطرت على بالي.
لقد كان عمر بن عبد العزيز نبوءة تحققت وذلك فيما يروى أن عبد الله بن عمر قال: «يا عجبا! يزعم الناس أن الدنيا لا تنقضي حتى يلـي رجـل مـن آل عمر يعمل بمثل عمل عمر بوجهه أثر وكانوا يظنونه بلال بن عبد الله بن عمر ولم يكن بوجهه أثر ، فلم يكن هو وإذا هو عمر بن عبد العزيز، وأمـه ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب.
لماذا اطلق على الخليفة عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين؟
وخرج الترمذي بسنده أن عمر بن الخطاب قال: «إن مــن ولــدي رجــلاً بوجهه شجان (علامة أو جرح ) يلي فيملأ الأرض عدلاً.
أخرج أبو داود في سننه أن رسول الله ﷺ قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها) .
فقال الجماعة من أهل العلم منهم الإمام أحمد بن حنبل : إن عمر بن عبد العزيز كان على رأس المائة الأولى.
لما رجع عمر من جنازة سليمان وقد بايعه الناس واستقرت الخلافة باسمه، انقلب وهو مغتم مهموم، فقال له مولاه: مالك هكذا؟
فقال: ويحك ومالي لا أغتم وليس أحد من أهل المشارق والمغارب من هذه الأمة إلا وهو يطالبني بحقه أن أؤديه إليه، كتب إلى في ذلك أو لم يكتب ثم خير عمر زوجته فاطمة بين أن تقيم معه على أنه لا فراغ له إليها، وبين أن تلحق بأهلها، فبكت وبكى جواريها لبكائها، فسمعت ضجة في داره، ثم اختارت مقامها معه على كل حال رحمها الله .
وخطب عمر في الناس فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فليفارقنا :
يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها.
ويعيننا على الخير بجهده.
ويدلنا من الخير على ما لا نهتدي إليه.
ولا يغتابن عندنا أحدًا.
ولا يعرضن فيما لا يعينه.
فانصرف عنه الشعراء والخطباء وثبت معه الفقهاء والزهاد.
وأخذ عمر الناس بالفقه والعلم والموعظة وكان قدوة حسنة فتأثر به الناس وانصلح حالهم.
وكان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز – بعد أن حمد الله وأثنى عليه أن قال:
أما بعد فإنكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى وإن لكم معادًا يتزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله تعالى، وحــــرم جنة عرضها السماوات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن غدًا إلا من حذر اليوم الآخر وخافه، وباع فانيا بباق، ونافذا بما لا نفاد له، وقليلاً بكثير، وخوفًا بأمان ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيكون من بعدكم للباقين كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، ثم إنكم في كل يوم تشيعون غاديًا رائحًا إلى الله لا يرجع قد قضى نحبه حتى تغيبوه في صدع من الأرض، في بطن صدع غير موسد ولا ممهد قد فارق الأحباب وواجه التراب والحساب فهو مرتهن بعمله غنى عما ترك، فقير لما قدم، فاتقوا الله قبل القضاء راقبوه قبل نزول الموت بكم، أما إبي أقول هذا. ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله.
وقد اجتهد رحمه الله في مدة ولايته – مع قصرها – حتى رد المظالم وصرف إلى كل ذي حق حقه وكان مناديه في كل يوم ينادي أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى أغنى كلا من هؤلاء، ولذلك قيل أن عمر بن عبد العزيز هو خامس الخلفاء الراشدين لأنه ساؤ على منهاج أبو بكر و عمرو وعثمان وعلى رضى الله عنهما.
مواقف من حياة عمر بن عبد العزيز
ودخل على امرأته يوما فسألها أن تقرضه در همـا يشتري عـنبـا فـلــم يجـد عندها شيئًا … فقالت له: أنت أمير المؤمنين وليس في خزانتك ما تشتري به عنبا ؟ فقال هذا أيسر من معالجة الأغلال والأنكال غدا في نار جهنم.
كان له سراج يكتب عليه حوائجه وسراجًا لبيت المال يكتب عليهم صالح المسلمين… ولا يكتب على ضوئه لنفسه حرفًا…
وكان يوسع على عماله في النفقة ويقول إنهم إذا كانوا في كفاية تفرغوا لأشغال المسلمين.
قال رجاء بن حيوه سَمُرت عند عمر بن عبد العزيز ليلة فأطفئ السراج .
فقلت: يا أمير المؤمنين ألا أنبه هذا الغلام يصلحه؟
فقال: لا! دعه ينام، لا أحب أن أجمع عليه عملين!!
فقلت: أفلا أقوم أصلحه؟
فقال: لا… ليس من المروءة استخدام الضيف… ثم قام بنفسه فأصلحه وصب فيه زيتا… ثم جاء وقال : قمت وأنا عمر بن عبد العزيز… وجلست وأنــا عمر بن عبد العزيز.
وبلغه أن رجلاً من أصحابه ،تُوفي فجاء إلى أهله يعزيهم فيه، فصرخوا في وجهه بالبكاء عليه فقال: ( إن صاحبكم لم يكن يرزقكم، وإن الذي لا يموت هو الله، وإن صاحبكم هذا لم يسد شيئًا من حفركم… إنما سد حفرة نفسه… ألا وإن لكل امرئ منكم حفرةً لابد والله أن يسدها.
فمن كان منكم باكيا فليبك على نفسه… فإن الذي صار إليه صاحبكم كل الناس يصيرون إليه غدًا).
كان يكتب إلى عماله اجتنبوا الأشغال عند حضور الصلاة… فإن من أضاعها فهو لما سواها من شرائع الإسلام أشد تضييعا …
بعضهم.
وقد كان يكتب الموعظة إلى العامل من عماله فينخلع منها، وربما عزل نفسه عن منه.
وذلك أن العمالة، وطوى البلاد من شدة ما تقع موعظته . الموعظة إذا خرجت من قلب الواعظ دخلت قلب الموعوظ ومن أمثلة ذلك وقد كتب إلى أحد عماله يقول : أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد… وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد بك وانقطاع الرجاء منك.
قالوا: فخلع هذا العامل نفسه من على العمالة وقدم على عمر
فقال له: مالك؟
قال: خلعت قلبي بكتابك يا أمير المؤمنين… والله لا أعود إلى ولاية أبدا.
وقال له رجل جزاك الله عن الإسلام خيرا. فقال: بـل جزى الله الإسلام عني خيراً.
وفاة عمر بن عبد العزيز
هل مات عمر بن العزيز مسموما؟
وقالوا في سبب وفاته أن له مولى سمه في طعام أو شراب كيدا من بني أمية الذين أرهقهم شدة عمر عليهم واسترداده مظالم العباد منهم…. وقيل لعمر حال وفاته هؤلاء بنوك – وكانوا اثني عشر – ألا توصي لهم بشيء فإنهم فقراء ؟ فقال : إن وَلِيَ الله الذي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ والله لا أعطيهم حق أحد، وهم بين رجلين إما صالح فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح فما كنت لأعينه على فسقه. ثم استدعى أولاده فودعهم وعزاهم بهذا، وأوصاهم بهذا الكلام ثم قال:
انصرفوا عصمكم الله وأحسن الخلافة عليكم. يقول الرواة: فلقد رأينا بعض أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل على ثمانين فرسا في سبيل الله، وكان بعض أولاد سليمان بن عبد الملك – مع كثرة ما ترك لهم من الأموال – يتعاطى ويسأل من أولاد عمر بن عبد العزيز، لأن عمر وكل ولده إلى الله-عز وجل- فأغناهم الله،
وسليمان وغيره إنما يكلون ولدهم إلى ما يدعون لهم، فيضيعون وتذهب أموالهم في شهوات أولادهم.
ثم قال لأهله ،اخرجوا فخرجوا وجلس على الباب مسلمة بن عبد الملك وأخته فاطمة، فسمعوه يقول : مرحباً بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ولا جان ثم قرأ: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةِ تَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ.
ثم هدأ الصوت فدخلوا عليه فوجدوه قد غمض وسوى إلى القبلة وقبض. وكانت وفاته بدير سمعان من أرض حمص لخمس بقين من رجب سنة ١٠١ هـ.
